الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ هُوَ وَقْتُ بِدَايَةٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَعَنِ الْحَدِيثِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ لَيْسَ بِحَدِيثٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَعَنِ الشِّعْرِ أَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ النَّهَارُ أَوَّلُهُ مِنَ الْفَجْرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشَّمْسِ ضِيَاؤُهَا على حذف الْمُضَاف ويؤكد تَقْرِير هَذِه الْأَوْقَات حَدِيث جِبْرِيل فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظله مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِي الْفجْر فأسفر ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي بِصَلَاةِ جِبْرِيلَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.فُرُوعٌ سِتَّةٌ:الْأَوَّلُ: الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا وَاقِعٌ فِي الْأَوْقَات خلافًا (ش. ح) وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَنَا وُجُوهٌ أَحدهَا الْأَوْقَات الدَّالَّةُ عَلَى جَمْعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَوْلَا الِاشْتِرَاكُ لَرُوعِيَتِ الضَّرُورَةُ فِي غَيْرِهَا كَمَا رُوعِيَتْ فِيهَا وَإِلَّا يلْزم نقض الْعلَّة لَا لِمُوجَبٍ وَثَانِيهَا أَنَّ أَرْبَابَ الضَّرُورَاتِ يُدْرِكُونَ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِرَاكِ إِلَّا ذَلِكَ ثَالِثُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ» الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَكُونُ مُشْتَرِكًا احْتَجُّوا بِحَدِيث عبد الله ابْن عمر وَفِيه وَقت الظّهْر مالم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ وَبِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ حصر الْأَوْقَات وَأما أَوْقَات الضرورات فخاصة بِهِمْ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِي عَلَى مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ أَوْ عُذْرٌ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مَعْنَى اخْتِصَاصِ الْوَقْتِ بِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُقَصِّرِينَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ مَا خرج وقته التَّفْرِيع إِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ التُّونِسِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» إِنْ حَمَلْنَا الصَّلَاةَ على أَسبَابهَا وَهُوَ مَجَازٌ كَانَ الِاشْتِرَاكُ وَاقِعًا فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَة أَو على أَحْكَامهَا وَهُوَ الْحَقِيقَة كَانَ الِاشْتِرَاك فِي آخر الأولى وَلَا يتَّجه فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَّا الِابْتِدَاءُ وَالْمَجَازُ وَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَيَتَأَكَّدُ الْمَشْهُورُ بِهَذِهِ الصَّلَوَات قَالَ صَاحب التَّلْخِيص فَمَا بَيْنَ الْقَامَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:مُشْتَرك بَين الصَّلَاتَيْنِ مقسوم بَينهَا بِقدر اشْتِرَاك مُسْتَقل بِذَاتِهِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بإثره لم تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَقَالَ أَشْهَبُ الِاشْتِرَاكُ عَامٌّ فِي الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيرهمَا تخْتَص الظُّهْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ لِوُجُوبِ إِيقَاعِ الظُّهْرِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَفَوَاتِ الظُّهْرِ مَعَ إِيجَابِ الْعَصْرِ آخِرَ النَّهَارِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ مُطْلَقًا وَبقول تَقَدُّمِ الظُّهْرِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ لَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ.الثَّانِي:قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ: تَجِبُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعند زفر يجب تَأْخِير الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُكْتَفَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ تَجِبُ إِمَّا بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بآخر الْوَقْتِ هَلْ هِيَ نَافِلَةٌ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ أَثْبَتْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ أَثِمَ وَعِنْدَنَا لَا يَأْثَمُ.قَاعِدَةٌ:الْوَاجِبُ الْمُخَير وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَايَةُ كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فَفِي الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَالِ والموسع بِأحد الْأَزْمَان الكامنة بَيْنَ طَرَفَيِ الْوَقْتِ وَفِي الْكِفَايَةِ بِأَحَدِ الطَّوَائِفِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِخْلَالُ بِهِ إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَلَا جَرَمَ خَرَجَ الْمُكَلف عَن الْعهْدَة بِأَيّ زمَان كَانَ منهلا إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهُوَ الْحق قَالَ الْوَقْت كُله طرف الْوُجُوب لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ وَالْإِجْزَاءُ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حُكِمَ بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا يَلْحَقُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ آخِرَ الْوَقْتِ قَالَ الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَمن أشكلت عَلَيْهِ الْحجَّاج قَالَ بِالْوَقْفِ وَالْحق الأبلج معنى مَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ.فَرْعٌ:قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِب الْمُخَير إِلَّا لبدل وَهُوَ الْعَزْم على أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْأَمْرِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمُعْرِضُ عَنِ الْأَمْرِ عَاصٍ وَالْعَاصِي يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ هَذَا الْعَزْمِ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ غَيره وَلِأَن الْبَدَل يقوم مقَام الْبَدَل فَيَلْزَمُ سُقُوطُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.الثَّالِثُ:قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا تَزَالُ الصَّلَاةُ أَدَاءً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إِيقَاع الْعِبَادَة فِي وَقتهَا الْمَحْدُود لَهَا وَلِهَذَا الْوَقْتُ مَحْدُودٌ لَهَا فَإِذَا تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ إِلَى آخر الضَّرُورِيِّ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَصَّارِ حَمَلًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» عَلَى إِدْرَاكِ الْأَدَاءِ وَالْمُؤَدِّي لَيْسَ بِآثِمٍ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَوْ قِيلَ بِالْإِثْمِ لَمْ يَبْعُدْ لِلتَّأْخِيرِ عَنِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ حَتَّى بَقِيَ زَمَانُ رَكْعَةٍ فَقَطْ أَنَّهُ عَاصٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَوَّلَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْأَعْذَارِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لم يسْقط وَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَأْبَاهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَا تجوز إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَامَةُ فِي الظُّهْرِ وَالْقَامَتَانِ فِي الْعَصْرِ أَوْ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَانْقِضَاءُ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي الْعِشَاءِ الأخيره والإسفار فِي الصُّبْح لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي السَّلَفِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لِصَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا وَأَمَّا تَرْكُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَمِنَ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوف يلقون غيا}.الرَّابِعُ:فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ والصيف والفيء ذِرَاعٍ كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي الله عَنهُ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رَحمَه الله التَّعْجِيل أول الْوَقْت «الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا».حجَّة أبي حنيفَة مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن أَبَا هُرَيْرَة سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ وَالْعَصْرَ إِذا كَانَ ظلك مثليك وَجَوَاب الشَّافِعِي أَنَّ كِتَابَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَحْذِيرٌ عَنْ قبل الزَّوَال أَو يَخُصُّهُ بذلك فِي نَفسه جمعا بَين كِتَابَته وَعَن الثَّانِي أَن نعلم أَن الْأَذَان بعد الزَّوَال لِاجْتِمَاع النَّاس وَالنَّفْل وَهَذِه سنة السّلف وَجَوَاب أبي حنيفَة عَمَّا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ إِذَا كَانَ ظِلُّ الزَّوَالِ كَذَلِكَ أَوْ لَعَلَّهُ سُئِلَ عَنْ آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عُمَرَ خِلَافٌ بَلْ قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرَ فَحْصًا عَنْ دِينِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ فَالْفَيْءُ لَا يُقَالُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَن الظل يفِيء للزِّيَادَة بَعْدَ النُّقْصَانِ أَيْ يَرْجِعُ وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَقَالَ التُّونِسِيُّ هُوَ رُبْعُ الْقَامَةِ فَإِنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عِلَّةُ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ وَفِي الْجَمَاعَةِ الْمُتَوَفِّرَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا لِأَنَّ مَسَاجِدَ الْجَمَاعَاتِ أَصْلٌ فِي الصَّلَوَاتِ وَمَا عَدَاهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ.فَرْعٌ مُرَتَّبٌ:قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الذِّرَاعَ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ لذهابه بِهِ وَقَالَ أَشهب وَالشَّافِعِيّ يُؤَخر ذراعين لما فِي أبي دَاوُود: «إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة» قَالَ أَبُو دَاوُود حَتَّى رَأَيْنَا الْفَيْءَ فِي التُّلُولِ وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ الدُّخُول فِي وَقْتِ الْبَرْدِ نَحْوَ أَتْهَمَ وَأَنْجَدَ إِذَا دَخَلَ تِهَامَةَ وَنَجْدًا وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى إِذَا دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ وَهُوَ الرَّابِيَةُ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ انْتِشَارُ حَرِّهَا وَأَصْلُهُ السِّعَةُ وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحٌ وَأَرْضٌ فَيْحَاءُ أَيْ وَاسِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً كَمَا رُوِيَ «إِنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا أَنْ قَدْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا فِي نَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَهُ مِنَ الْحَرِّ فِي الصَّيف فَهُوَ من نَفسهَا وَأَشد مَا تَرَوْنَهُ مِنَ الْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ فَهُوَ مِنْهَا» وَقِيلَ أَرَادَ التَّشْبِيهَ وَاخْتُلِفَ فِي إِبْرَادِ الْفَذِّ فَقَالَ ابْن حبيب لَا يبرد وَاشْترط الشَّافِعِي فِي الْإِبْرَادِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسْجِدِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ وَالْبِلَادُ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إِتْيَانِ النَّاسِ الْمَسْجِدَ مِنْ بَعْدُ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ إِلْحَاقَ الْفَذِّ بِالْجَمَاعَةِ بِجَامِعِ الْحر المشغل عَن مَقَاصِد الصَّلَاة قَالَ كالأحوال النَّفْسَانِيَّةِ نَحْوِ إِفْرَاطِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُمَا.فَرْعٌ:قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تُؤَخَّرُ الْعَصْرُ عَنْ وَقْتِهَا مِثْلُ الظُّهْرِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تُدْرِكُ النَّاسَ مُتَأَهِّبِينَ بِخِلَافِ الظُّهْرَ فَإِنَّهَا تَأْتِي وَقْتَ قَائِلَةٍ وَدَعَةٍ وَسَوَّى فِي التَّلْقِينِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَوَى مَالِكٌ وَمُسلم «الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر فكأنهما وتر أَهله» وَمَا لَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا وَأَخَذْتَ مَالَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وُتِرَ نُقِصَ وَبَقِيَ وِتْرًا وَلِأَنَّ النَّفْلَ بَعْدَهَا مَمْنُوعٌ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى يَتَنَفَّلَ النَّاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ نَقِيَّةً وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيُتَعَجَّلُ أَوَّلُ وَقْتِهَا لِلْعَمَلِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِئَلَّا تَفُوتَ النَّاسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ بِأَعْشِيَتِهِمْ وَلَا تُؤَخَّرُ جِدًّا وَقَدْ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ تَأْخِيرَهَا إِلَى ثلث اللَّيْل خلافًا (ش وح) وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ تَأْخِيرَهَا لِذَلِكَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصَلَاة الْعشَاء خرج عَلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ «إِنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ التَّأْخِيرِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بالتقديم إِن اجْتمع النَّاس وينتظرون إِن أبطأوا وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ تَأْخِيرَهَا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ قَلِيلا لطول اللَّيْل وَفِي ليَالِي رَمَضَان أَكثر من ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي الْإِفْطَارِ وَأَمَّا الصُّبْح فتعجيلها أفضل على ظَاهر الْكتاب عِنْد الشَّافِعِي خلافًا (ح) مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ التَّغْلِيسِ كَانَ لضَرُورَة أَنهم أَرْبَابُ ضَرُورَاتٍ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفِلَاحَتِهِمْ وَأَنَّ الْأَصْلَ التَّأْخِيرُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ قَالَ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ هَذَا الْوَقْتَ إِلَّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة فِي هَذَا الْمَكَان يعْنى يَوْم الْجمع فِي الْحَجِّ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لأوّل وَقتهَا وَمَا فِي أبي دَاوُود أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ نِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَس والتلفع التلفف والمرط الكساء الغليظ وَكَانَ يشْعر بِالدَّوَامِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ لَيْلًا فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَلَوْلَا التَّغْلِيسُ لَمَا حَسُنَ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ وَفِي أبي دَاوُود أَنه عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْفَرَ مَرَّةً بِالصُّبْحِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ» فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدِّي وَقْتِ الظَّنِّ إِلَى وَقْتِ الْيَقِينِ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَسْفِرُوا بِالصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِعْلُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنَ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ.تَمْهِيدٌ:الْأَصْلُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الطَّوَاعِيَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ كَالْحَرِّ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا أُمِرْنَا بِالْمَشْيِ إِلَى الْجَمَاعَةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَإِنْ فَاتَتِ الْمُبَادِرَةُ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَةُ الِاقْتِدَاءِ وَهَذَا عَمَّمَهُ الشَّرْعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِذَا تَعَارَضَ الشُّغْلُ وَالصَّلَاةُ فَالْأَخْيَارُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ الشُّغْلِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْخُشُوعِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مُشَوِّشٍ وَيُؤَخِّرُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ لِأَجْلِهِ كَإِفْرَاطِ الظَّمَأِ وَالْجُوعِ وَالْحُقْنَةِ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَالصَّلَاةُ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ: «وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ فَلْيَبْدَأْ بِالْعَشَاءِ».تَتِمَّةٌ:قَالَ فِي الْكِتَابِ لَمْ أَرَ مَالِكًا يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَتْهُ وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّاسَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ بِعُمُومَهِ لَكِن يُرَاعِي أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ فَلَا يَأْخُذُ مَالِكٌ بِحَدِيثِهِ.الْخَامِسُ:فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فِيهَا تِسْعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هِيَ الصُّبْحُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ وَالظُّهْرُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْعَصْرُ عِنْدَ أبي حنيفَة وَالْمَغْرِبُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ وَقِيلَ الْعِشَاءُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ مُبْهَمَةٌ فِي الْخَمْسِ كَمَا أُخْفِيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَسَاعَةُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا الْجُمُعَةُ لَاتَّجَهَ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ غَيْرِهِ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَالْوُسْطَى مُؤَنّثَة أَوسط أما من الْفَضِيلَة فَلقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} {وَقَالَ أوسطهم} أَوْ مِنَ التَّوَسُّطِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالصُّبْحُ أَحَقُّ بِالْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْفَضْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر كَانَ مشهودا} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».دَلِيلُ فَضْلِهِمَا: وَالصُّبْحُ أَفْضَلُهُمَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّهَا قَامَ نصف لَيْلَة وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّهَا صلى اللَّيْل كُله» فَتكون الصُّبْح أفضل الْخمس وَلِأَنَّهَا أَكثر مشقة وَتَأْتِي فِي وَقت الرَّغْبَةِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى النَّوْمِ فَتَكُونُ أَقْرَبَ للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظهَا لتخصصها بِالذِّكْرِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَتَكُونُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْهُ وَأَمَّا التَّوَسُّطُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ فَلِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا عَنِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا حُجَّةُ الظُّهْرِ تَوَسُّطُهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَحُجَّةُ الْعَصْرِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ الْأَحْزَابِ «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» أَوْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَتَضِيعُ فنبه على الْمُحَافظَة عَلَيْهَا كَمَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} حُجَّةُ الْمَغْرِبِ تَوَسُّطُ عَدَدِهَا بَيْنَ الثُّنَائِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ وَعدم امتداد وَقتهَا وتجسيم الشَّرْعِ لَهَا وَإِتْمَامُهَا فِي السَّفَرِ حُجَّةُ الْعِشَاءِ اخْتِصَاصُهَا بِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِشَيْءٍ مِنَ النَّهَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ» وَلِأَنَّ النَّوْمَ قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا فَتُضَيَّعُ حُجَّةُ الْخَمْسِ أَنَّهَا الْأَوْسَط لَهَا لكَونهَا فَردا وَمَا لأوسط لَهُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ كَانَ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَخَفُّ مَشَقَّةً مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِإِتْيَانِهَا وَقْتَ فَتْرَةٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فَتَنْحَطُّ رُتْبَتُهَا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَتْرُوكَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ثَلَاثَةٌ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ فَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ للْجَمِيع أَو غَيرهَا من الثَّلَاث أوهي لَكِنْ يَكُونُ تَفْضِيلُهَا عَلَى مَا مَعَهَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الصُّبْحَ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الصُّبْحَ أَفْضَلُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ فَلَا يُدْفَعُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَعَنِ الرَّابِعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الثَّالِثِ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا يُعْدَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الثَّالِثَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَسَطًا لِلْخَمْسَةِ لِتَأَخُّرِهِ عَنِ اثْنَيْنِ وَتَقَدُّمِهِ عَلَى اثْنَيْنِ.قَاعِدَةٌ:الْأَصْلُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقِلَّتِهِمَا أَنْ يَتْبَعَا كَثْرَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتَهَا وَكَثْرَةَ الْمَفْسَدَةِ وَقِلَّتَهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَإِحْيَاءُ الرَّجُلِ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَفْضُولِ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجه وَيُوجب الله سُبْحَانَهُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَإِيجَابِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَكَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ التَّكْبِيرَاتِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْقَاعِدَةِ تَفْضِيلُ الْأَقَلِّ مَصْلَحَةً عَلَى الْأَكْثَرِ كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ على مزِيد الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا وَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَصَرَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَتِ السّنة بِهِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل الْمُخْتَار يفضل مَا شَاءَ على مَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ شَاءَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ.السَّادِسُ:فِي إِثْبَاتِ الْأَوْقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخِّرْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتُ وَلَا يَكْتَفِي بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ:أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ.الثَّانِي: أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ قَالَ وَيجوز التَّقْلِيد الْمَأْمُون كايمة الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَهْرَعُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مِقْيَاسٍ وَكَذَلِكَ المؤذنون لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ لِيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ خَفِيَ ضوء الشَّمْس اسْتدلَّ بالاورد وَالْأَعْمَالِ وَسُؤَالِ أَرْبَابِهَا وَيَحْتَاطُ قَالَ وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَن مَالك أَن مِنْهُ الصَّلَاة فِي الْغَيْم وَتَأْخِير الظُّهْرِ وَتَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يشك فِي اللَّيْل وتعجيل الْعشَاء ويتحرى فِي ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرُ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ.
|